الأسس التي يحكم بها القاضي؟

إن إقامة العدل وظيفة أساسية في دولة القانون، فالقضاة يتصرفون في حرية الأشخاص الذين يعيشون في أقاليم الجمهورية وشرفهم وأمنهم ومصالحهم المادية. ويفسر هذا الدور السامي المتطلبات التي قد يتوقعها أي شخص من القضاة، كما يتطلب وضع الإمكانيات البشرية والمالية والمادية الملائمة، فهل تسألت على أي أسس يحكم القاضي، وهل القاضي محكوم  بالقانون يتصرف طبقاُ له، ولا يحكم بعلمه الشخصي و إنما يحكم على أساس النصوص و القواعد القانونية الموضوعة له، أم قد يلجأ في بعض الأحيان إلى الاجتهاد، نعرض لك في هذا المقال إجابة لكل هذه التساؤلات.

ما التسلسل الذي  يحكم به  القاضي ؟

أولاُ:- الحكم طبقاً للنصوص التشريعية

الحكم طبقاُ للنصوص التشريعية أول ما يستخدمه القاضي في الحكم هو القانون، فهو المرجع الأساسي والوحيد له في اتخاذ القرار.   

ثانيا:- العرف

هو المصدر الثاني الذي يلجأ إليه القاضي في حالة عدم وجود نصاً تشريعياً خاص بالدعوة المعروضة أمامه، فيتعين دور العرف في القانون على كونه مُكمل للنص التشريعي في الحالات التي لا يكون لها نص قانوني صريح، والجدير بالذكر انه لا يعتبر العرف مصدراً للقانون الجنائي، والسبب في ذلك يرجع إلى القاعدة الدستورية التي تقرر بأن :“العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون”

وقد عرف القانون المدني العرف بأنه

” المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالاً مباشرا بالجماعة ويعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استقصائها على النص. ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل إلى جانب التشريع مصدرا تكميلياً خصباً لا يقف إنتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء “

 

 

أهم مميزات العرف

  • القابلية للتطور التلقائي
  • مصدر هام و مُكمل للتشريع
  • يظهر دور العرف بارزاً في القانون التجاري

أركان العرف:-

للعرف ركُنان:

أولهما هو الركن المادي، ويتمثل في اعتياد الناس على سلوك معين، وثانيهما هو الركن المعنوي، ويتمثل في الشعور بضرورة الالتزام بهذا السلوك وتوقيع الجزاء على من يخالفه.

أولاً:الركن المادي (الاعتياد):

يتحقق الركن المادي للعرف في حالة وجود عادة يعتاد الناس على اتباعها كلما أرادوا تنظيم مسألة معينة، أو بمعنى آخر  هو اعتياد الناس على سلوك معين مع تكرار القيام بهذا السلوك في مجال من مجالات الحياة الاجتماعية مع احساسهم بانه ملزم  ويمكن القول بأن الدافع وراء اتباع هذه العادة هو اتفاقها مع ظروف الجماعة وحاجاتها بحيث تنشأ عادة ترسخ في نفوس الأفراد نتيجة لتكرار العمل ،

ويشترط في العادة التي يقوم عليها الركن المادي للعرف ما يلي:

  • أن تكون عامة فـ عمومية العادة تعني أن أغلب الأفراد يتبعونها.
  • أن تكون العادة قديمة بمعنى أنها قد تستغرق فترة زمنية كافية تؤكد استقرارها ورسوخها في نفوس الأفراد على نحو يسمح باستخلاص قاعدة قانونية وبما ينفي وصف البدعة أو النزعة العابرة،
  • أن تكون ثابتة وهذا الشرط يعني أن يكون تطبيق الأفراد للعادة بشكل مستمر وعلى نحو متصل، أي أنهم لا يلجئون إليها لفترة ثم يتركونها .
  • أن لا تخالف القاعدة العرفية للنظام العام والآداب العامة فالعادة التي تصلح لأن تنقلب إلى عرف هي العادة التي لا تخالف النظام العام والآداب .

 

 

ثانيأ: الركن المعنوي :

هو الاعتقاد بإلزامية هذا السلوك فلا يكفي للاعتراف بالعرف كمصدر رسمي للقانون توافر الركن المادي بالشروط السابقة فقط إنما يلزم فضلا عن ذلك توافر الركن المعنوي ويتمثل ذلك في وجود عادة الترسيخ لدى الناس وبأن العادة التي نمو عليها أصبحت ملزمة لهم بحيث تقترن بجزاء مادي توقعه السلطة العامة جبرا على من يخالفها.

الركن المعنوي هو الذي يميز العرف عن غيره من قواعد المجاملات والعادات الاجتماعية، فمثل هذا القواعد والعادات تتوافر فيها الشروط اللازمة للركن المادي، بكونها عامة وقديمة وثابتة، ولكن لم ينشأ لدى الأفراد الشعور بأنها ملزمة، ولذلك فهي لا تشكل قاعدة قانونية يلزم الأفراد بإتباعها.

دور العرف في القانون المصري:

وفقا للمادة الأولى من القانون المدني المصري يعتبر العرف المصدر الثاني للقانون، حيث يلجأ إليه القاضي في الأحوال التي لا يجد فيها نصا تشريعياً يحكم النزاع المعروض أمامه وعلى ضوء ذلك يتحدد دور العرف في القانون المصري على أنه يكمل ما في التشريع من نقص أو يعاونه في الحالات بعض الحالات التي يحيل إليه المشرع صراحة إليك نبذه بسيطة عن دور العرف في التشريع:

كما ذكرنا سابقا يلعب العرف دورا رئيسا في تكملة النصوص التشريعية سواء في المسائل التي فات المشرع تنظيمها عن قصور أو في المسائل التي آثر المشرع عدم تفصيلها لتشعبها، لا ينحصر الدور الذي يلعبه العرف على أي فرع من فروع القانون، وإنما يمتد بدرجات متفاوتة إلى جميع هذه الفروع سواء العام منها أو الخاص .ولكن ذلك في حالة استثناء التشريعات الجنائية طبقا للقاعدة الدستورية التي تقر بأن “العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ” ويعني ذلك أن التشريع يظل هو المصدر الوحيد للقانون الجنائي بينما ينعدم دور العرف تماما بالنسبة لهذا القانون، فلا يمكن مثلا للقاضي عند عدم وجود نص تشريعي يجرم فعلا معيناً أن يلجأ إلى العرف لسد النقص التشريعي وإدانة مرتكب الفعل استناداً إلى العرف.

ملحوظة:

ولكن بالطبع لكل قاعدة استثناء فـ على الرغم من إجماع الفقه على هذا الرأي إلا أن البعض يؤكد وبحق على أهمية دور العرف في مجال التجريم والعقاب، إذ يجوز الالتجاء إليه لتحديد أسباب الإباحة في بعض الجرائم، مثل إباحة الضرب في بعض الألعاب الرياضية العنيفة مثل الملاكمة والمصارعة .

 

 

 

ثالثاً:  مبادئ الشريعة الإسلامية

مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر مصدرا رسمياً احتياطياً يلتزم القاضي بالرجوع إليها في حالة عدم وجود نص في التشريع أو العرف يحكم النزاع المطروح أمامه، فوفقاً للمادة الأولى من القانون المدني :

” إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية”.

مصادر الشريعة الإسلامية:

القاضي عند رجوعه لمبادئ الشريعة الاسلامية عليه مراعاة مصادرها فيرجع إلى:

  • القرآن الكريم
  • السنة النبوية الشريفة
  • الإجماع
  • القياس
  • المصادر المرسلة

دور القاضي في استخلاص مبادئ الشريعة الإسلامية:

واستخلاص القاضي لمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي يتم عن طريق الرجوع إلى المبادئ العامة المسلم بها في فقه هذه الشريعة، والتي لا توجد عليها أي خلاف في المذاهب الفقهية المتعددة، لذلك يجب على القاضي إلا يستعين بما ورد بالكتاب المقدس والسنة فقط إنما يرجع إلى كتب الفقه الإسلامي المتعددة وهو في ذلك يراعي أمرين ضروريين :

  • الأمر الأول: إلا يتقيد القاضي بمذهب معين من مناهب الفقه الإسلامي،
  • الأمر الثاني: أن يراعي القاضي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يعارض مع مبدأ من هذه المبادئ يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه .

القياس طبقا للشريعة الإسلامية:

يلجأ القاضي إلى القياس كوسيلة للحكم عند وجود حالة  لا يوجد لها نصاُ قانونياً صريح، فـــ القياس هو اعطاء حالة غير منصوص على حكمها حكم حالة أخرى ورد نص بحكمها لتماثل العلة بين الحالتين، وترجع أهمية الأخذ بالقياس إلى أن أي تشريع مهما علت منزلته لا يمكن أن يعرض للحالات والأوضاع جميعها التي تنشأ عن العلاقات بين الناس، سواء ما كان منها قائماً عند وضع التشريع أو تلك التي تستجد بعد دوره، فقد لا تستدعي الأوضاع القائمة أن تحكمها النصوص في القانون، وأن المشرع لا يستطيع أن يتوقع في كثير من الأحيان الأوضاع  التي قد تستجد في المستقبل.

صور القياس:-

  • القياس الأولى ( الجلي أو القطعي)

هو  القياس الذي تكون علة الحكم في الفرع أكثر وضوحا منها في الأصل، فيطبق حكم الأصل على الفرع من باب أولى.

  • قياس المساواة (القياس المساوي)

هو القياس الذي تكون العلة فيه مساوية الظهور في الفرع والأصل، وبعبارة أخرى، التسوية بين الأصل والفرع في الحكم لمساواتهما في العلة قوة وضعفا، فإذا كانت هناك قاعدة مقررة لحالة معينة وكانت هناك حالة لم ينص على حكم لها ولكن تتوفر فيها العلة ذاتها أدت إلى وضع النص للحالة الأولى.

  • قياس الأدنى

هو القياس الذي يكون الأصل أولى بالحكم من الفرع لأن العلة فيه أقوى، وبعبارة أخرى، أن تكون العلة في المقيس أدنى قوة من المقيس عليه.

  • قياس العكس

هو القياس الذي بموجبه يتم اعطاء حالة غير منصوص على حكمها في القانون حكماً مخالفاً لحالة أخرى منصوص عليه في القانون لاختلاف العلة في الحالتين، فهنا يفترض وجود نص في القانون يقرر حكماً لحالة خاصة ولعلة معينة ووجود حالة أخرى لم ينص على حكمها وتختلف عن الحالة الأولى في العلة، فيطبق بشأنها المفهوم المخالف لحكم الحالة الأولى لاختلاف العلة في الحالتين.

ثالثاً:- قواعد العدالة

قواعد العدالة هو المصدر الأخير الذي يلجا إليه القاضي بعد استنفاده للكل الوسائل، فالفرض أنه يواجه نزاعا لا يحكمه نص تشريعي، ولا ينظمه عرف مستقر عليه، ولا يمكن استنباط حكمه من مبادئ الشريعة الإسلامية، وفي هذه الحالة يلجأ القاضي – وفقاً للمادة الأولى من القانون المدني – إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة لحسم النزاع، والمقصود من اللجوء لقواعد العدالة هو تمكين القاضي من الفصل في النزاع عن طريق الاجتهاد برأيه على ضوء مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

ما هو الدور الذي يلعبه القاضي في حالة اللجوء لقواعد العدالة؟

يعتمد القاضي حين يلجأ لقواعد العدالة على الاجتهاد بالبحث عن الحل المناسب في النزاع المطروح أمامه، ولابد عند استخلاصه لمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة أن يراعي أمرين:

  1. يُعين على القاضي الابتعاد عن أفكاره ومعتقداته الخاصة عند الاجتهاد برأيه، وإنما إلى أفكار ومعتقدات الجماعة التي ينتمي إليها، فمن واجبه أن يستبعد أفكاره ومبادئه التي تصطدم مع أفكار المجتمع الذي يعيش فيه .
  2. لا يلجأ إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة إلا في حالة عدم وجود نص في المصادر الأخرى للقانون، فلا يتستر تحت ستار القانون الطبيعي وقواعد العدالة للخروج على المبادئ الأساسية التي يقرها القانون الوضعي.

ماهي طرق القاضي في النطق بالحكم؟

ما هو تعريف منطوق الحكم؟ وهل يتداخل مفهوم منطوق الحكم مع الحكم القضائي ذاته؟ وما الفرق بين منطوق الحكم وبين أسباب الحكم؟ وما هي معايير أسباب الحكم  ؟

  • منطوق الحكم

هو نتيجة الحكم ويتضمن ما قضت به المحكمة في الطلبات المطروحة أمامها وهو الجزء الذي يهتم به الخصوم عادة، أو هو الذي يتضمن ما قضت به المحكمة في النزاع المعروض عليها.

  • أسباب الحكم

الركائز الواقعية والقانونية والتي يترتب على إغفالها بطلان الحكم حيث ورد ذلك في المادة في المادة 176 من قانون المرافعات المصري والتي تنص على “يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة” وهي التي تعرض فيها المحكمة حجج الخصوم وتناقشها وتبين الحجج التي استندت اليها فيما قضت به.

ماهي معايير تسبيب الحكم؟ 

  • اعتماده على الوقائع المُقدمة للقاضي والمدونة لديه
  • أن يكون التسبيب مُشتمل على الأسباب الموضوعية والواقعية مما يساعد على القناعة به
  • توافق الأسباب وعدم تعارضها مع بعضها البعض أو مع الحكم
  • ترتيب التسبيب حيث يأخذ بعضها البعض ويقدم الأقوى فالأقوى، والأهم ثم المُهِم.
  • لا تهوين ولا تهويل في أسباب الحكم

 ما الفرق بين منطوق الحكم وبين أسباب الحكم؟

الاصل أن منطوق الحكم هو الذي تثبت له الحجية لأنها تتمثل فيه الحقيقة القضائية غير أنه يشترط في ثبوت حجية الشيء المحكوم فيه لما يرد في منطوق الحكم أن يكون قد ورد فيه بصيغة الحكم والفصل نتيجة لبحث وموازنه، فإذا اورد الحكم في منطوقه بعض العبارات العارضة التي تشمل أمرا لم تتناوله مرافعة الخصوم ولم يرد في طلباتهم، فمثل هذه العبارات لا تحوز حجية الشيء المحكوم فيه ما دامات لم ترد فيه بصيغة الحكم والفصل، وقد يفصل المنطوق في بعض نقط النزاع بطريق ضمني فتثبت الحجية لهذا المنطوق الضمني ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصريح .

أما أسباب الحكم فلا تكون لها في الاصل حجية الأمر المقضي، غير أن هناك من الاسباب ما تكون له الحجية، وهي الاسباب التي ترتبط ارتباطا وثيقا بمنطوق الحكم، تحدد معناه و تكمله، بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الاسباب، وبحيث إذا عزل عنها صار مبهما أو ناقصا، أما اذا كانت المحكمة قد عرضت تزيدا في بعض أسباب الحكم الي مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها أو لم تكن بها حاجة اليها للفصل في الدعوي، فإن ما عرضت له من ذلك في أسباب حكمها لا تكون له حجية الأمر المقضي.

وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي أن يمتد نطاق الحجية الي أكثر مما فصل فيه الحكم، كما لا ينبغي أن يقصر دون ذلك، ويجب أخذ وقائع الدعوي في الاعتبار عند تحديد نطاق الحكم ، فالحكم بمنطوقه وأسبابه ووقائعه كل يساعد في مجموعه علي تحديد نطاق ما تم الفصل فيه.

By |2019-06-11T13:59:13+02:00يونيو 11th, 2019|قانون|0 Comments

Leave A Comment